ماذا بعد الباكالوريا؟ من الحيرة إلى الاختيار الواعي

مع كل موسم لإعلان نتائج الباكالوريا، تعلو الزغاريد في بيوت، وتتضاعف علامات القلق في أخرى. وبين هذا وذاك، يدخل آلاف التلاميذ المغاربة إلى مرحلة جديدة لا تقل تعقيدًا عن الامتحان نفسه: ماذا بعد النجاح؟ أين أتابع دراستي؟ وأي تخصص أختار؟ وهل سأوفق في قراري أم سأندم لاحقًا؟
هذه التساؤلات، وإن بدت شخصية، إلا أنها تعكس غياب منظومة دعم واضحة تُرافق التلميذ من لحظة نجاحه إلى لحظة اندماجه في عالم ما بعد الباكالوريا، سواء في التعليم العالي أو التكوين المهني أو سوق الشغل.
من “الناجح” إلى “الضائع”
في كثير من الأحيان، يتحول التلميذ الناجح إلى ضائع وسط كثافة العروض، وتنوع الشعب، وضغوط الأهل، وانعدام المعلومة الدقيقة. في غياب التوجيه البيداغوجي الفعّال، يختار الطلبة تخصصات لا تتناسب مع ميولاتهم أو قدراتهم أو حتى مع متطلبات سوق العمل، مما يؤدي لاحقًا إلى الإحباط، الهدر الجامعي، أو التحول من شعبة إلى أخرى دون بوصلة واضحة.
المسؤولية الجماعية
المرحلة التي تلي الباكالوريا ليست فقط مسؤولية التلميذ، بل هي مسؤولية تشاركية:
المدرسة مطالبة بأن تدمج “ثقافة ما بعد الباك” في مقرراتها، ليس فقط في السنة الختامية بل طيلة سنوات الثانوي.
الوزارة مطالبة بإنشاء منصات وطنية تفاعلية توفر معلومات محدثة ودقيقة حول التكوينات المتاحة، فرص الشغل المستقبلية، وحتى قصص نجاح حقيقية تحفز الشباب.
الأسرة مطالبة بالاستماع لتطلعات أبنائها، بدل فرض رؤى تقليدية لا تتلاءم مع تحولات العصر.
الإعلام مدعو للعب دور إرشادي، من خلال برامج موجهة ومواكبة مهنية لفترة ما بعد النتائج.
من التوجيه إلى الإلهام
المرحلة لا تقتصر فقط على “أين ستدرس؟”، بل هي لحظة لإعادة اكتشاف الذات، تحديد الأهداف، وصقل الطموح. ما نحتاجه اليوم هو أن ننتقل من مجرد “توجيه دراسي” إلى “إلهام مهني”: أن يُسأل الطالب عما يحب، عما يجيده، عما يتطلع إليه، لا فقط عن نقطته في الامتحان.
مقترحات عملية
تنظيم منتديات جهوية للتوجيه بعد النتائج مباشرة، بشراكة بين المؤسسات الجامعية والجماعات المحلية والمجتمع المدني.
دعم مراكز الاستماع والتوجيه النفسي داخل الثانويات، لتسهيل الانتقال من المرحلة الثانوية إلى التعليم العالي.
تشجيع المسارات البديلة: التكوين المهني، ريادة الأعمال، الدراسة بالخارج، العمل التطوعي المؤطر، كلها اختيارات مشروعة.
إدماج وحدات الذكاء المهني في التعليم، تُدرّس للمتعلمين مبادئ العمل، التخصصات المطلوبة، والكفايات الناعمة (Soft Skills).
النجاح في الباكالوريا جميل، لكنه ليس نهاية الطريق. إنه فقط بداية لمسار يحتاج إلى هدوء في التفكير، ووضوح في الرؤية، ودعم حقيقي من الأسرة والمدرسة والمجتمع. ما بعد الباك يجب أن يكون لحظة بناء، لا لحظة ارتباك. وكل تلميذ يستحق أن يَعبُر هذا الجسر بثقة، نحو مستقبل يليق بجهوده وطموحاته.