مهرجان "موازين".. حضور عالمي وغياب للهويات الثقافية الوطنية؟

مع كل دورة جديدة من مهرجان “موازين إيقاعات العالم”، الذي يُعد من أضخم التظاهرات الفنية على الصعيدين القاري والدولي، تُضاء منصات متعددة، وتُستدعى نجوم من مختلف أنحاء العالم لتقديم عروض موسيقية تحتفي بالتنوع والانفتاح.
غير أن هذا الزخم الاحتفائي، الذي يرفع شعار العالمية، لا يُخفي غيابًا لافتًا لأحد أبرز روافد الهوية الثقافية المغربية: الفن الأمازيغي، ومعه الفن الحساني، اللذان يبدوان مغيبَين عن خارطة البرمجة، بشكل يثير تساؤلات متجددة حول مدى تمثيلية مهرجان موازين لمختلف مكونات المشهد الفني الوطني.
ورغم التعدد الموسيقي الذي يزخر به المغرب، لا تزال الأغنية الأمازيغية ـ بحسب فنانين ومهتمين ـ تعاني من حضور محتشم، يكاد يكون منعدمًا في بعض الدورات. وقد عبّر عدد من رواد هذا اللون الفني عن استيائهم مما وصفوه بـ”التهميش الممنهج”، مطالبين بتمثيلية عادلة تُنصف الأغنية الأمازيغية وتُبرز غناها وتطورها، إسوةً بباقي الألوان الغنائية.
في الاتجاه نفسه، يُطرح السؤال حول المعايير المعتمدة في برمجة الفنانين والمنصات، ومدى استحضار إدارة المهرجان للبعد التعددي للهويات الثقافية المغربية، كما نص عليه دستور المملكة لسنة 2011، الذي اعتبر الأمازيغية والحسانية مكونين أساسيين من مكونات الهوية الوطنية الموحدة.
ويبدو أن الغياب لا يقتصر فقط على الأمازيغية، بل يطال أيضًا الأغنية الحسانية، التي لا تزال، وفق عدد من الفنانين الصحراويين، خارج دائرة الضوء. وفي هذا السياق، وجّه الفنان محمد عاطف، أحد أبناء الأقاليم الجنوبية، رسالة مفتوحة إلى إدارة مهرجان “موازين”، نيابة عن مجموعة من الفنانين الحسانيين، تساءل فيها عن سبب “الإقصاء المستمر” لهذا اللون الغنائي، وغياب منصات تتيح للشباب الحساني التعبير عن إبداعهم في فضاء وطني مفتوح.
وأكد عاطف أن ما يُقدم في بعض المناسبات الرسمية لا يُمثل حقيقة الفن الحساني، بل يختزله في أداءات فلكلورية نمطية، تُفرغه من عمقه الفني والروحي، وتُبعده عن موقعه الطبيعي في مشهد ثقافي حديث ومتكامل.
وبينما ترفع إدارة مهرجان “موازين” شعار “إيقاعات العالم”، يُذكّر العديد من الفاعلين الثقافيين بأن إيقاعات المغرب، بألوانها الأمازيغية والحسانية والعربية واليهودية وغيرها، هي أساس أي انفتاح حقيقي على الآخر. فالفن الأمازيغي ليس فقط تراثًا محليًا، بل لغة وهوية حية، تُنتج باستمرار أشكالًا موسيقية حديثة، من أحواش وأحيدوس إلى الأغنية الأمازيغية العصرية.
كذلك، فإن الفن الحساني، المتجذر في ذاكرة الصحراء، لا يقل غنىً عن غيره، وهو في الآن ذاته مكون استراتيجي في تعزيز الوحدة الوطنية والاعتزاز بالتنوع. ولذا، فإن تغييب هذه الألوان في تظاهرات كبرى مثل “موازين” لا يُعد فقط تهميشًا فنيًا، بل يُنظر إليه من قِبل البعض كتناقض مع التوجه الرسمي للدولة نحو الاعتراف بروافد الهوية المغربية بكل أطيافها.