المغرب في قلب التحولات المناخية.. حرارة مفرطة وندرة مائية تنذران بمستقبل بيئي مقلق
تشهد منطقة البحر الأبيض المتوسط، وفي مقدمتها المغرب، تحولات مناخية غير مسبوقة، تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن التغيرات المناخية لم تعد مجرّد طوارئ موسمية، بل أصبحت مسارًا بنيويًا يهدد التوازن البيئي، ويفرض إعادة نظر جذرية في السياسات البيئية والمائية.
ففي السنوات الأخيرة، لم يعد الحديث عن موجات حرارة استثنائية، بل عن نمط مناخي جديد تتكرر فيه درجات الحرارة القياسية بشكل دوري، حتى في المناطق التي كانت تعرف بمناخها المعتدل. وقد شهدت بداية صيف هذه السنة تسجيل درجات حرارة تجاوزت 48 درجة مئوية في بعض الأقاليم، كما هو الحال في إقليم ابن جرير، ما أدى إلى تبخر كميات هائلة من المياه السطحية، وفاقم أزمة الندرة المائية.
ويعزو خبراء هذا الوضع إلى فشل المجتمع الدولي، وخاصة القوى الكبرى، في الالتزام بأهداف اتفاق باريس للمناخ، واستمرار الاعتماد على الوقود الأحفوري، إلى جانب تقاعس عالمي في تقليص الانبعاثات الحرارية. كما أن انسحاب بعض الدول سابقًا من الاتفاقيات المناخية شكّل نكسة عميقة تركت أثرًا ملموسًا على استقرار المنظومة المناخية.
تداعيات هذه التحولات المناخية لا تقتصر على المغرب فقط، بل تمتد إلى دول عديدة عرفت هي الأخرى حرائق غابوية مدمّرة، كما حدث في فرنسا وتركيا واليونان والجزائر، مما قلّص من المساحات الغابوية، التي تعتبر صمام الأمان الطبيعي في امتصاص ثاني أوكسيد الكربون.
وفي هذا السياق، يؤكد عدد من المتخصصين أن العالم لم يعد أمامه خيار العودة إلى “الدورة المناخية الطبيعية”، بل أصبح لزامًا عليه تبني منطق التكيف بدل المواجهة، عبر استراتيجيات وطنية وإقليمية مندمجة، تتأسس على تفعيل الاتفاقيات البيئية، وتعزيز التعاون بين ضفتي المتوسط، خصوصًا أن المغرب دخل مرحلة انتقالية نحو الاقتصاد الأخضر والدائري، رغم التحديات الكبرى التي يفرضها المناخ القاسي.
ويشير متخصصون في المجال البيئي إلى أن المغرب يعيش اليوم موجة حر تتجاوز معدلات السنوات السابقة، حتى في مناطق الشمال التي كانت تستفيد من مناخ معتدل. ويعود هذا التغير إلى تفاعل معقد بين الاحتباس الحراري، وظاهرة القبة الحرارية، ورياح “الشركي” الجافة، التي تنقل كتلًا هوائية ساخنة من الجنوب والشرق نحو الداخل والشمال.
كما أن تراجع الغطاء النباتي وتدهور الغابات بفعل الجفاف ساهم بشكل مباشر في تسريع ارتفاع درجات الحرارة، إذ فقدت التربة قدرتها الطبيعية على التبريد، وأصبحت أكثر هشاشة أمام موجات الحر.
ويشكل الضغط المتزايد على الموارد المائية أحد أبرز تداعيات هذا الوضع، خاصة في فصل الصيف، حيث ترتفع معدلات التبخر وتتراجع قدرة السدود والأنهار على تغطية الطلب المتزايد، في الوقت الذي تتسارع فيه وتيرة الحرائق، خاصة في الواحات والمجالات الغابوية، نتيجة الحرارة المرتفعة والجفاف الحاد.
وفي ظل هذه الأزمة، تبرز الحاجة الملحّة إلى استراتيجيات فعالة للتكيّف، ترتكز على دعم الزراعات الذكية، وبناء سدود تلية، وتخزين مياه الأمطار، إلى جانب مشاريع تحلية مياه البحر ومعالجة المياه العادمة، خاصة لأغراض فلاحية وخضراء.
ويجمع الخبراء على أن التحدي الأساسي لم يعد في فهم ما يحدث، بل في كيفية التكيّف مع هذه التحولات العنيفة بطرق مستدامة، تشمل التربية البيئية، والتحسيس المجتمعي، وتفعيل القوانين المناخية، لأن الزمن لم يعد يسمح بالتراخي أو الانتظار.









