عبد الصمد أمزيل.. حين يلتقي الفن الأصيل بروح الابتكار
في مدينة ورزازات، عاصمة الشمس والقصبات، حيث تلتقي جمالية التاريخ بسحر الطبيعة ووهج الفن، بزغ اسم الفنان العصامي عبد الصمد أمزيل كأحد الوجوه التي استطاعت أن تكتب سطوراً مضيئة في سفر الفلكلور الأمازيغي والشعبي. فنان جعل من موهبته رسالة، ومن عشقه لتراثه جسراً يصل بين الماضي والحاضر، وبين المحلي والعالمي.
منذ خطواته الأولى سنة 2006، حين أسس فرقته الفنية “بن إسماعيل” على إسم جده إسماعيل، كان عبد الصمد يدرك أن طريقه لن يكون سهلاً، لكن إيمانه العميق بأن الفن الشعبي روح وهوية دفعه إلى المثابرة. ومع مرور السنوات، تحوّلت هذه المجموعة إلى علامة بارزة في المشهد الفني بالجنوب الشرقي، تنشط الأعراس والمناسبات الوطنية، وترافق كبرى التظاهرات السياحية والثقافية، لتصبح عنواناً للأصالة والاحترافية.
ولعل سنة 2012 شكّلت منعطفاً حاسماً في مسيرته، بإصداره لأول عمل غنائي بعنوان “بلادي ورزازات زينة القصبات”، أغنية غناها بحب عميق لمسقط رأسه، فجاءت بمثابة نشيد يخلّد سحر ورزازات ويفتح أمامه أبواب المهرجانات الوطنية الكبرى، من المهرجان الوطني لأحواش إلى مهرجان إيقاعات ورزازات ومهرجان تملسا للزي التقليدي.
لم يقتصر إشعاعه على المغرب، بل حمل ألوان تراثه إلى الخارج، حيث تألق في مهرجان ليالي الشرقية بالسعودية سنة 2018، مقدماً لوحات فولكلورية أمازيغية أبهرت الجمهور العربي، كما شارك في أمسيات فنية بتركيا، ليؤكد أن التراث المغربي قادر على عبور الحدود والوصول إلى العالمية.
غير أن عبد الصمد لم يتوقف عند الغناء، بل آمن بأن الفن مجال متجدد يحتاج دوماً إلى ابتكار. هكذا، اقتحم سنة 2019 عالم الأكروبات والفنون الاستعراضية، ليتحول رفقة ابنه أسامة أمزيل إلى ثنائي فني مدهش. مزجا بين الإبهار البصري والإيقاعات التراثية، وقدّما عروضاً شكلت سابقة في المشهد الفني المحلي، حصدت إعجاب الجماهير وتقدير المهرجانات التي استضافتهما.
حضور عبد الصمد لم يقتصر على المهرجانات والساحات العمومية، بل امتد إلى فضاءات سياحية وفندقية كبرى في ورزازات وسكورة، ومؤسسات ثقافية مختلفة بالجهة. كما نسج علاقات تعاون واسعة مع جمعيات ثقافية وتنموية، ليبرهن أن الفن ليس مجرد فرجة، بل أيضاً وسيلة للتنمية المحلية وتعزيز الهوية الجماعية.
اليوم، وبعد أكثر من عقد ونصف من العطاء، يواصل عبد الصمد أمزيل مسيرته بصلابة أكبر، جامعاً بين أحواش، الركبة، عيساوة والفنون الشعبية الأخرى، ومضيفاً إليها لمسة استعراضية مبتكرة جعلت من اسمه مرادفاً للتجديد. إنه فنان يصرّ على أن يظل وفياً لأصوله، منفتحاً في الوقت ذاته على العالم، باعثاً رسالة مفادها أن ورزازات ليست فقط مدينة للسينما، بل أيضاً مدينة للفن الأصيل والإبداع المتجدد.
إن مسيرة عبد الصمد أمزيل ليست مجرد حكاية نجاح فني، بل هي شهادة على أن الإصرار والوفاء للتراث يمكن أن يصنعا من الفنان المحلي سفيراً عالمياً للثقافة المغربية، يضيء المنصات ويُلهِم الأجيال.









