محمد الشيخ... يروي مأساة الشباب الواحي في واحة الحياة والفرار
من أعماق الواحات الجنوبية، وتحديدًا من حي أفانور بتنغير، خرج صوت أدبي يحمل في نبرته دفء الأرض ووجع الإنسان. إنّه محمد الشيخ، المزداد سنة 1970، الذي شقّ طريقه من التعليم إلى الإبداع، جامعًا بين صرامة الدرس الأكاديمي ورهافة الحس الفني.
تلقى محمد الشيخ تعليمه الابتدائي بمسقط رأسه، ثم تابع دراسته الثانوية بثانوية زايد أوحماد في مركز تنغير، قبل أن ينتقل إلى جامعة ابن زهر بأكادير، حيث حصل على الإجازة في اللغة والآداب الفرنسية، تخصص لسانيات. مسار أكاديمي مكّنه من أدوات اللغة ومن فهم أعمق لدلالاتها، ليجعل منها لاحقًا وسيلته المفضّلة في التعبير عن قضايا الإنسان والمجتمع.
يشتغل الشيخ اليوم أستاذًا للغة الفرنسية بمدينة ورزازات، لكنه يجد في الكتابة ملاذه الأرحب، ومساحته الحرة التي تفيض بالإبداع والبوح. شغفه بالشعر وولعه بفن الرواية جعلاه يخطّ ملامح مشروع أدبي متكامل، يُزاوج بين جمال اللغة وعمق الفكرة.
ضمن هذا المسار، تبرز قصته “أحمد أو براهيم” كمرآة صادقة لواقعٍ مرير، وكتجسيدٍ أدبي لمعاناة جيلٍ تائه بين البطالة والحلم، بين الرغبة في الحياة والاضطرار إلى الهجرة.
القصة تحكي عن شاب سحقته قسوة الروتين وضيق الأفق في واحةٍ نائية، يعيش التهميش والانتظار، حتى لم يجد أمامه سوى خيار الرحيل نحو المجهول. أحمد ليس مجرد بطل قصة، بل هو رمز لجيل كامل من أبناء الهامش، ممن التهمهم الفراغ واليأس، فصاروا يحلمون بـ”الهناك” كخلاصٍ أخير، رغم المخاطر والمآسي التي تكتنف الطريق.
من خلال هذا العمل، لا يكتفي محمد الشيخ بالسرد، بل يمارس نقدًا اجتماعيًا هادئًا وعميقًا، يرصد فيه اختناق القرية المغربية ببطالتها المزمنة، وبغياب الأمل في التغيير. إنه صوت من الداخل، لا يُدين بقدر ما يُنصت لنبض المكان والإنسان، وينقل المأساة في لغة شاعرية تجمع بين الحسّ الواقعي والبعد الإنساني.
تتجاوز “أحمد أو براهيم” حدود الحكاية لتصبح صرخة وجودية ضد التهميش، وضد واقعٍ يدفن الأحلام قبل أن تولد. إنها إدانة صامتة لحكم القدر الاجتماعي الذي يفرض الرحيل كقدرٍ محتوم، وكمسارٍ لا مهرب منه.
بأسلوبه المتوازن بين الأدب والفكر، يواصل محمد الشيخ كتابة نصوصٍ تنبض بالحياة والمعنى، تارةً شعراً وتارةً سرداً، مستلهماً من ذاكرة الواحة ومن هموم الإنسان المغربي البسيط مادةً خامًا لإبداعه. وبين أوراقه، تتجلى الرغبة في أن يكون الأدب جسرًا نحو الفهم والتغيير، لا مجرد ملاذ من الواقع.









